الباب الرابع | قصة بناء السد

الفصل الرابع

   قصة بناء السد 

بسم الله الرحمن الرحيم

تحدثت في الباب السابق عن شخصية الملك ذو القرنين العظيمة وتعرفنا على جوانب كثيرة من شخصيته وأعماله من خلال دلائل وبراهين تؤكد أن المقصود هو الملك الأخمينى الأول الملك قورش الكبير مؤسس الإمبراطورية الفارسية , نظراً لأهمية قصة بناء السد تم تخصيص باب منفرد يتكلم عن تلك الحادثة التي من خلالها سيتم الإجابة عن معظم التساؤلات التي قد تحضر أذهانكم , تكلمت الآيات القرآنية الكريمة في سورة الكهف عن تمكين الله عزوجل لهذا الملك وانه كان على قدر كبير من العلم والحكمة والمعرفة وانه نال محبة الشعوب من خلال أعماله العظيمة , امتدت إمبراطورية هذا الملك العظيم من الصين شرقاً إلى حدود غرب ليبيا غرباً كما هو موضح بالخريطة أدناه

, وخلال فتوحات هذا الملك اتجه نحو الشمال من إمبراطوريته بهدف التوسع وتأمين الجهة الشمالية من الغزاة  , وصل الملك بجيشه بالقرب من الحدود الشمالية لتركيا حاليا وكانت هناك قبائل من الميديين والسيمريين تعيش بتلك المنطقه , اشتكت هذه الشعوب للملك عن أقوام تاتى من الشمال تقوم باعمال الاجرام والقتل وسفك الدماء والسرقة والنهب , فطلب الملك من الجيش التقدم نحو الشمال باتجاه تلك الاقوام لمحاربتهم وصد هجماتهم , صار الملك بالجيش حتى وصل منطقة جبلية وعرة وادغال من الطمى الأسود بالقرب من جبال القوقاز حاليا وسواحل بحر الآزوف , نظراً لصعوبة التضاريس وارتفاع الرطوبة و وعورة الأرض والتربة توقف مسير الجيش حتى بدت لهم أن الشمس تغرب فى قلب بحر الآزوف

, لذلك ورد فى الآيات الكريمة لفظ عين حمئة أى بدت لهم الشمس تغرب وسط الطين الأسود والبحر الذى يصعب اجتيازه أو تخطيه حتى شعر الجيش بصعوبة التقدم أكثر نحو الشمال وصعوبة الوصول لتلك الأقوام التى تعيش فى أعالى وقمم الجبال والهضاب , كذلك اصطدامهم بحاجز جبلى كبير عبارة عن سلسلة جبال القوقاز هذه العوامل دفعت الملك الى التفكير بطريقة تحجب شر هذه الاقوام وفسادها على الشعوب المجاورة لهم والتى أصبحت تحت حكمه وسلطانه , أمر الملك بإقامة سد وحاجز منيع يصعب اجتيازه أو اختراقه بهدف توفير الأمن والامان للشعوب ولتامين حدود مملكته الشمالية , أشار الملك قورش الكبير الى موضع بين جبلين وهو اقصر مكان يمكن اقامة سد او حاجز عليه وذلك لتقليل كلفه بناء السد وانجازه بوجه السرعة , فى علم الجغرافيا تعرف المنطقة المحصورة بين جبلين باسم مضيق , تم اغلاق المضيق ببناء سد قوى منيع يغلق الطريق امام هجمات اقوام ياجوج وماجوج نحو الجنوب

, فى بادىء الامر تم بناء السد من الحديد ولان السد واقع فى منطقة ترتفع فيها الرطوبة فان الحديد أكثر عرضه للتآكل والصدى لذلك أمر الملك بصهر النحاس وسكبه على الحديد لحمايته من الـآكل والصدى ولربما تم بناء السد من معدن البرونز لانه خلال هذه الفترة الزمنية تم اكتشاف البرونز التى سميت بالعصر البرونزى وهذا مايؤكد ويعطى دلائل على استخدام البرونز فى بناء السد , عزيزى القارىء يدور بذهنك عدة تساؤلات أهمها :-

 لماذا تم بناء السد فى هذه المنطقة التى أشرت اليها ولما لا يكون فى منطقة أخرى كما تزعم بعض الروايات ؟

امتدت امبراطورية الملك قورش الكبير لحدود الصين شرقاً اى عند أقصى الشرق فى العالم القديم فكانت هناك الامبراطورية الصينية يتعرض الاجزاء الشمالية منها لهجمات اقوام يأجوج وماجوج لذلك قامت هذه الامبرطورية ببناء سور الصين العظيم لمنع وصد هجمات تلك الاقوام التى امتازت بفنون الرماية والقتال , أما بلدان الجهة الشرقية من امبراطورية الملك بلاد السند والهند فكانت جبال الهملايا عائق طبيعى يمنع تلك الاقوام من الوصول ومهاجمة الشعوب .

أما التساؤل الثانى الذى قد يتبادر فى ذهنك عزيزى القارىء هو أن كل ماذكرته فى هذا المبحث مجرد تخمين ولا أساس له من الصحة ؟

فى بداية المبحث استنتجت مجموعة من القواعد المستنبطة من الايات القرانية وهذه المجموعة من الاستدلالات الجغرافية تقودنا الى الفهم الصحيح لتحديد مكان السد  , فالاشارات القرانية ركائز ودلائل لا يمكن تجاهلها , إذن ما مدى الاستفادة من معرفة مكان السد ؟

معرفة مكان السد تقودنا الى التعرف على مملكة يأجوج وماجوج الأولى التى كانت موجودة انذاك ومعرفة اهم سماتها وتاريخها ومعتقداتها وتزيل الستار عن كثير من الوقائع والأحداث والمؤامرات عبر التاريخ الانسانى , ذكر حادثة بناء السد فى القرآن الكريم لم يأتى عبثأً أو مجرد سرد قصة تاريخية للاستمتاع باحداثها وانما حملت الايات اشارت للتحذير والتنبيه من خطر أقوام يأجوج وماجوج وفسادهم فى الأرض وعلوهم فى الزمن الأخير , كذلك اشارة الى أول مؤامرة فى التاريخ الانسانى ومحاولة تلك الأقوام للوصول والسيطرة على العالم .

ما الفرق بين بلغ و وصل ?بلغ تعنى انه وصل الى حد لا يمكن تجاوزه مثلا قررت الوصول الى النقطة ع فاجتزت س حتى اذا بلغت ص توقفت اما الوصول فانى قررت المسير الى النقطة ع حتى وصلت اليها هكذا قصة ذو القرنين الملك اراد الوصول الى مكان تلك الاقوام ولكنه بلغ مكان عين الحمئه فتوقف لصعوبة التضاريس من طين اسود وجبال شاهقة الارتفاع والله اعلم

عزيزى القارىء بعد التعرف على مكان السد والظروف التى احاطت بناؤه وفهمك للغاية بناء السد يأخذك الفضول الى محاولة معرفة من هى أقوام ياجوج وماجوج وهذا ما سيتم مناقشته فى الباب التالى الباب الخامس التى تم تبويبه باسم ياجوج وماجوج ومملكتهم الأولى , قبل الانتقال الى الباب الخامس لابد من توضيح مهم وتساؤل ربما لم يرد فى اذهان البعض , ما سبب ذكر تفاصيل  حادثة بناء السد وأقوام يأجوج وماجوج فى سورة الكهف ؟ ذكر اقوام ياجوج وماجوج فى موضعين بالقرآن الكريم ألأول فى سورة الانبياء والايات تعطينا دلالات ان اقوام ياجوج وماجوج خطر محدق ينتظر الشعوب وحالة متكررة عبر التاريخ الانسانى وصولا الى خروجهم الاخير والسيطرة على العالم , أما الموضع الثانى تم ذكر قصة الملك ذو القرنين وبناء السد واقوام ياجوج وماجوج وفسادها فى سورة الكهف حيث أن سورة الكهف كما أشار الرسول تتكلم عن اشارات مهمة تتكلم عن فتنة المسيح الدجال فى الزمن الاخير وأن هناك علاقة بين فتنة الدجال وخروج اقوام ياجوج وماجوج فكلاهما سيحدث فى الزمن الاخير وكلاهما فتنة وكذلك كلاهما سيخضع عدد كبير من الشعوب والناس لفتنتهم اما بالرضوخ او الإقناع أو الاكراه وهذا ما سيتضح فهمه لاحقاً .

Share this: